تتناول بعض العلوم الاجتماعية كعلم النفس وعلم الأنثربولوجيا ظاهرة التدين والدين ودوره في حياة الفرد والمجتمع وقلما يتناول الشعر هذه الظاهرة وإن تناول بعض الشخصيات الدينية كموضوع أو كمصدر إلهام.
لابد أن يكون تناول الظاهرة الدينية في الشعر ملفتاً للانتباه وداعياً للدراسة. لفت نظري شخصياً شعر الشاعر مظفر النواب ووعيه بالظاهرة الدينية ودورها في المجتمع وبنائه للخطاب الشعري (سواء كان المخاطب فردا أو جماعة سياسية أو دينية أو عامة) على معرفة بدين معين (كالاسلام الشيعي) ووجهة نظر ايديولوجية (ماركسية) ومعرفة أخرى سيكولوجية تتمحور حول علاقة الفرد بالاله أو الشخصية الدينية أو الدين بشكل عام وهو يوظف أدواته الشعرية بما يتوافق مع غايات خطابه.
على أي حال هناك بلا شك تشابه بين النص الشعري والنص الديني من نواح عدة فكلاهما مهتمان بالتجربة الروحية للانسان ويتمحوران حول هذه التجربة كما و يتكئ كل منهما على الرموز والرمزية ولكل منهما جمهور يتلقى النص بمشاعره أكثر مما يتلقاه بعقله أي أن من يسمع النص الشعري أو الديني يسمع ليطرب أكثر مما يسمع ليعي أو يفهم أو يقارن أو يبحث! كما أن بعض النصوص الدينية توصف بأنها شعرية وأذكر على سبيل المثال القرآن والتوراة التي تحوي بين طياتها نصاً شاعرياً غاية في الجمال- نشيد الانشاد!
هذا ويتمحور عمل رجل الدين عموماً على التوفيق بين النص الديني والحداثة أوحاجات العصر بحسب العديد من الدارسين وعندما يتناول الشعراء الظاهرة الدينية في أشعارهم فهم يسلطون الأضواء على الحاجات الروحية والشعورية للانسان المعاصر ومقدار تلاقيها أو تقاطعها أو تنافرها مع النص الديني أو التجربة الدينية ومن هذا المنظور فهو تناول قيم وضروري كما أراه! انظلاقاً من هذه الضرورة ربما كتبت قصيدتي ذات العنوان "إنجيل بالألوان" المنشورة على موقع الأوان في الأول من أكتوبر عام 2020:
إنجيل بالألوان
ألون بالماء وجهك
وبألوان الشتاء أرسم التفاح
عله يزهر بين الشفاه وبين المدى
…
لوجهك أجمع أجزاء الغروب
أعيد رصف الشوارع على طريقة قلبي
هاهنا ياسمينه وهناك ناي
وبين يدي تنبت فخارة الذكريات
أطالع قمراً
أترجم هم النوارس
أتوسد أحلام طفل وأغفو
أحلم كما الأمراء بجيش لا يعرف الانكسار
أوعز إليه تحرير أغنية من صدر شاعر
أزيح هم الثوب عن صدر جارية تصدت للعراء
أعيد إلى الأمس بريقه الخافت
أشبك قلبي بعروة صبية تفتح باب قلبي علي
أعود شهياً
كشمس تؤكل نيئة
أدعو ساتان إلى سكرتي
أزيح نور الشوارع
أشع كآية
كوميض عين الغزال
…
أنت بشاشة هذا الشارع
وأنا طفل يأكل البستان
أرسم بالصيف
مفاتيح علبة الكون
والسموات تعلو مع كل بريق
يلمع قلب الماعون
أعود صبياً أنظف الأكواب
أرجم الغيب
أزاحم الفراشات
أشرب من كوز الزهر
أتطفل على الكون والجنيات
أعيد تشكيل قلبي
أضع الشريان في قلب الشريان
أنصّب الأحمر ملكاً على الألوان
أغفو مع الكلمات الشاردة من فم نعسان
…
أنا طفل يا شارع
أنا مخلوق يا جنيات
أنا زبد يا نورس
أنا إنجيل يا يسوع
أنا شيء يا موجودات
أنا صدف وحنين خالص يا جامع الأصداف والذكريات
...
رامي الابراهيم ©
Comments